Sunday, December 23, 2012

حلفايا اعذري صمتي ...





أخاف لأني ما عدت قادرة على الكلام .... صوتي يختنق في أزمة المفاجع.
أخاف لأنّ الأسود ارتدى السواد .... و الدم ما عاد يعرف مجراه و أين هي المقابر.
في كل شارع مقبرة و في كل بيت شهيد و في كل نَفَس رصاصة.
أنظر ....... أفتح فاهي للكلام، للصراخ و لا أجد سوى الصمت ينتظرني بخجل.
خجل الصمت و نظر لي بأسى .... أدار ظهره و تركني وحيدة مع عاصفة من شجن.
خبز و مجزرة ...... برد و مجزرة ...... قذيفة و مجزرة ........ لا شيء و مجزرة.
أخاف لأنني لم أعد أقوى على التعبير ، لم أعد أقوى على التفكير، لم أعد أقوى على الحزن.
يلفلفني الذهول و العجز و القهر، فما أفعل في زمن أصبحت الحياة تهمة و الموت روتيناً يومياً.
دموعي نزعت حرجها و أصبحت تنهار بلا إذن ..... تتحدى بوقاحة محاولاتي البائسة لكبتها.
تنهمر دمعة و أهم من جديد للكلام علّ الصوت يخرج الألم، ولكنه يخذلني و يتقوقع في حنجرتي و يتركني أصابر
أخاف من حقد زرع ضد إرادتي في داخلي، يأكل من ألمي و يكبر في داخلي و يشرب من دموعي.
أخاف أن يأكل الحقد قلبي، أن يأخذ جزءاً من روحي و يتركني فارغة من الإنسانية.
أين أذهب بهذا الحقد؟ أين أذهب بابن العار القابع في صدري.
تعودنا السواد
نتعوّد الحزن و الأسى، يخجلنا الفرح و يصبح الأسى نبيذنا و خمرنا و عاداتنا اليومية
خبزنا أصبح مغمساً بالدم و رائحة الرصاص
و أصبحت الإبتسامات ترف لأصحاب الحياة المنعزلة....... أحسدهم في كثير من الأحيان
أصبحنا ندخّن نحشو الغليون بذكريات المآسي و أسماء الأحبة المفقودين
نشعل الغليون و ننتشي بالشجن.
كل يوم غليون و قصص و صمت ............... و مجزرة جديدة.
 
حلفايا اعذري صمتي .... و لكن الحزن سلخ صوتي و تركه قابعاً مع رغيف الخبز

Tuesday, December 11, 2012

المسيح يولد في فلسطين و يصلب في الشام




ما زلت حتى اليوم لا استطيع أن أرى فيديو لطفل يموت في شوارع اللاشيء، رخيصاً كرصاصهم. تتناثر دموعه في كل مكان كمطر فوق المخيمات. لا أستطيع أن أصدّق بأنني أتعلّم بأنّ الموت قنصاً هو رحمة أمام الجوع في أحياء حلب الصوامع، أمام الموت عطشاً في دير الفرات أمام الموت ذلّاً في دمشق العزّة.

تحجّر قلبي يا أمي و ما عاد يحمل المزيد من الأسى. ها هو الميلاد قادم ها هو المسيح يولد في فلسطين و  يقتل كل يوم في الشام. حجارة الشام تغنّي آلامه في كل دقيقة. هو يولد في كل العالم أمّا في الشام فترتّل الأمهات الجمعة الحزينة بعد أن يغادر النعش أحضانهنّ. ها هو الميلاد قادم في كل مكان و لكنّ الإنسان يعلّق على خشبة في كل صباح.
 
في كل صباح تسجد الملائكة لآلام أطفال لم يعلموا أنّ أكاليل الشوك ستأتي قنابل و رصاص، في كل صباح تبكي العذراء ابنها مع آلاف الأمهات في الشام، فابناؤهم أيضاً طعّنوا بحربة ..... بحربة الكراهية.
يتوشّحن السواد و يرتّلن خلف الموكب :

أنا الأم الحزينة و ما من يعزيها"
فليكن موت ابنك حياة لطالبيها"

يا عذراء متى سيقوم المسيح ؟ متى ستنتهي هذه الجمعة الطويلة ؟   


Saturday, December 1, 2012

من كل مكان ..... هنا دمشق


من كل مكان في العالم ...... هنا دمشق  
من القاهرة هنا دمشق.
من بيروت هنا دمشق 
من باريس هنا دمشق 
من السجون و المعتقلات حيث لا يسمعنا أحد .... هنا دمشق 

هنا الشام ....... فرقة جين السورية


لماذا هذه الجملة؟ 

تاريخياً وفي عام ١٩٥٦ ...... و خلال العدوان الثلاثي على مصر كانت كل من إذاعتي دمشق و القاهرة تبدأ بثّها بجملتي 
"هنا دمشق" و هنا القاهرة"
   و عندما دمّرت أحد الغارات هوائيات البث الرئيسية لإذاعة القاهرة قبل أن يقوم عبد الناصر بإلقاء كلمته، ظنّاً بأنّ الغارة ستعزل القاهرة و ستمنع الصوت من أن يصل. صدحت اذاعة دمشق في حينها الجملة التي فاجأت الجميع:
"من دمشق هنا القاهرة" 

اليوم آخر ما توصل له التفنن بالتلاعب بأعصاب الشعوب و حرياتها و أبسط حقوقها، هو قطع جميع وسائل الاتصالات عن سوريا بأكملها. 
تخيّل معي بأنّ بلد بأكمله في القرن الواحد و العشرين ينعزل كليّاً عن العالم لمدة يومين (لا أدري لكم ستطول المدة ) ،لا انترنت لا اتصالات أرضية ولا اتصالات هواتف متنقلة. 
 .
.
طاقات الأمل ، الحزن، جرعات الوطن الإلكترونية اليومية. و حتّى جرعات الغباء في كثير من الوقت فُقدت بين ليلة و ضحاها من أمامنا و لكن لسبب ما كانت هذه الكارثة ذات تأثير أكبر عمقاً على السوريين و خصوصاً المغتربين . كأطفال فجأة عزلوا عن أمهم كانت الصدمة بالنسبة لهم. على اختلاف البلاد التي توزعوا عليها، جمعتهم لهفة محبّ لوطن واحد، فقالو أنهم المنبر الدمشقي رمز سوريا، رمز البلد، رمز الصوت العالي الذي لا يخرّس. من كل بقاع العالم، من كل الطوائف و حتّى يمكنني المجازفة و القول من كل الأطياف السورية، جميعهم تعانقوا.
كصوفي ينخطف روحاً و يتوحّد مع الله، توحّدوا في دمشق  
 ثم صدحت منابرهم من كل مكان 
من كل مكان في العالم ......... هنا دمشق 

اليوم السوريون و غيرهم يقولون بأنّهم صوت من في الداخل، لن تُعزل دمشق .... لن تعزل سوريا أبداً 



Friday, September 14, 2012

ما زال الطفل لم يروّض ... بل يلفّ بمزيد من الشجن




كميات الإحباط الممتالية التي أتلقاها تاتي في حالات إنتقامية.
الفقدان المتكرر لمن حولي ....... الموت الضياع و الخسارة
انسانيتي التي تجرح مع كل خبر .... عالمي المصقول الذي يخدش مع كل كلمة
ما زلت أحتفظ ببعض الدموع لأرثي بها ألماً شخصياً، فقدان حبيب و ضياع حلم ووطن
دموعي هي الشيء الوحيد الذي أبقيه بجانبي .... فهو الوحيد الذي يؤكد لي أنّ بعض المشاعر ما تزال تنبت في الداخل
و أن العالم بقسوته لم يروّض إنسانيتي بعد ...... و ما يزال الطفل في قلبي ينظر إلى العالم ببساطته
ما زال يتساءل : لماذا يموت الشرفاء و يبقى أولاد الوسخة يتنعّمون؟
ما زال الطفل يركض ليبكي في حضن من يحب ولكن عبثاً ........... لا أحد في الغرفة غيره
ما زلت لا أستطيع حذف صور لأشخاص رحلوا ......... أخاف أن يكون ما كان حلماً فأبقي وثائقاً عنه.
و أقلّب في الصفحات بحثاً عن الصور ....... ثم عندما أجدها ألوم نفسي مراراً و تكراراً على رؤيتها.... تماماً كالأطفال
ما أزال بحاجة للرعاية ..... لمن يمشّط لي شعري و يسخن لي الحليب و من يرتّب لي أفكاري التي سبقت.
ولكنني أشعر بأنّ الموسيقى الجنائزية تحيطني من كل مكان
وإنّ الطفل بدأ يتعب من الخيبات، من الفقدان و من ألم كونه طفلاً لا يكبر.


  

Wednesday, August 22, 2012

ما يمكن أن يكون في الداخل

                            

في أعزّ اللحظات هدوءاً، يداهمني خوف.
 يقرع قلبي كأجراس الكنيسة المريمية، يوقظ كلّ حواسّي .
أتطلّع حولي، أفرّغ عيوني من غباشتها و أهاجم تفاصيل ما حولي .
لماذا يدقّ قلبي بتلك السرعة؟ و ما الداعي لدفعات الأدرينالين الزائدة في هذا الوقت من النهار.
لا شيء حولي مثير للارتياب. غريبة نوبات الفزع هذه من أين تأتيني. فأنا هنا سكينة هادئة لا ساطور يقبع فوق رقبتي و لا جلّاد. أعيش هدوءاً في زمن العاصفة، هدوءاً لأنني تعوّ>ت الضجيج و نسيت معنى السكوت. كلّ شيء حولي على ما يرام .
 باب الغرفة مازال مغلقاً كما تركته بالأمس. فنجان القهوة. كتاب عن حركات باطنيّة أهملته بعد أن مللت الطوائف و الطوفان. قلم كحل وردتان ذابلة و الأخرى في طريقها للذبول .
كل شيء في مكانه ولا شيء تغيّر منذ البارحة
أقرر النظر إلى نفسي......... أتوقف !!!
أخفف من حدّة عينيّ ..... أخفض صوت هدوئي ......  اتسلل إلى الداخل على رؤوس الأصابع.
.
.
.
.
لا عجب أن أفزع !!!
كل ما رأيته يوماً، كلّ ما فكّرت به يوماً قد دخل قبلي إلى هنا و ها هو يعيش على هدوئي و يكبر.
أشخاص و حكايات قديمة ...... حكايات عن أشخاص قابعين في طفولتي رحلوا و تركو لنا بسمة و حقول كرز جبلي.... كلما تذكرتهم أجهشت بالبكاء، فأخذو لنفسهم غرفة منزوية في داخلي، ليعيشوا فيها غير أبهين بالزمن.
صور لبيت تهدّم ..... أحلام عن شوارع دمشقية و دمشقيين لم تتحقق.
شخصي القديم أيضا قابع داخلي ...... عجبي كيف لم أعلم مما يأتيني الفزع !!!
حلقات غناء قديمة في باحة منزل جدتي تتلوها مؤامرات عائلية مثيرة للقرف.
أقف قليلاً لألتقط أنفاسي ..... لم أعلم أن التحقق من داخلي سيكون متعباً هكذا.
أسمع صوتاً .....
يدق قلبي مسرعاً ...
أتجمد خوفاً ....
ماالذي أرعبني هكذا ....
أدير رأسي ببطء و أنظر عند المنعطف ........ فأرى المستقبل !.....

Monday, July 16, 2012

إلى مزيفي الثورة المفرغين من الأخلاق



تطلق على نفسك لقب المفكر السوري , و تضع لمنظومتك ألوهية العقل بينما تفرغ نفسك
من الأخلاقيات مستنداً إلى فتاوى الغرور و التحليلات الفلسفية السخيفة. 
تضع نفسك أعلى من البشر بأفكارك تلك التي لا تقدّم المجتمع أو تأخره و تقيم عليّ أتاوة الاحترام و التقدير لكيانك المبّجل على أنني الأقلية في محيطك الغير المثقفة التي يجب أن تنبهر بعقلك المفكّر و أفكارك المنمّقة و فلسفياتك التي لا افهم وليس لدي رغبة في فهمها. 
فضلاً عن كل هذا تتوقع منّي أن أبرر انحدارك الأخلاقي و اتقبّل تحليلاتك الخيالية عن نفسيتي شخصيتي و ابتلع تبريراتك لاستغلاليتك المقرفة للأخر. 
فعلا يلي استحو ماتو يا صديقي الثائر من أجل الحرية و الكرامة. 
غريب جدّاً فأنا لا أجد كرامة في تصرفاتك بالمطلق بل لا أرى سوى دونية مريضة, و عقلية تريد تفريخ كبتها العاطفي و عقدها الاجتماعية في رحم الثورة, و تحت شعار الحريّة. 
عزيزي الثائر من أجل ما تغطيه بالحرية و بالكرامة, أفعالك لا تدلّ على الكرامة, الحريّة, الأخلاق أو اي شعار أخر تطرحه هذه الثورة. 
عزيزي الثائر من أجل أهواءك, مهما تكن أهواؤك تلك. ثورتي بريئة منك بريئة من أخلاقك و  نفسك الوضيعة, ثورتي تحتضن ثواراً شرفاء و لا مكان للخسيسين فيها. 
لي ثورتي و لك مجونك و أنا بريئة منك و من صداقتك المشينة. 

من أنثى ثائرة إلى مزيفي الثورة المفرغين من الأخلاق. 

Tuesday, June 26, 2012

المناطقية ...... طائفية من نوع أخر!!!



في البداية كنّا نأخذ تلك العبارات .... أنا حمصي, أنا حوراني , أنا شامي و ما إلى ذلك بنوع من الفخر و المحبة, فبالنهاية عندما تحب حمص فأنت تحب جزءا من هذا الوطن, عندما تفتخر بانتماءك لدير الزور فأنت تأكد على أنك جزء من سوريا الثورة أليس كذلك. و لكن عنما ينتقل التنافس بين هذه المناطق من مجرد روح فكاهية مرنة إلى مستوى التشبيح المناطقي فهنا تقع الكارثة.
هنالك الكثير من العتب القادم من سكان مناطق عانت الكثير من أجهزة النظام مثل حمص قد تحول من مجرد تحفيز للمناطق الأخرى على القيام إلى نوع من التخوين و تقليل من شأن و أهمية الحراك الثوري القائم فيها. و هنا تقوم المشكلة عندما يصبح الثوار من ريف دمشق (مثلاً) عليهم تبرير تحركهم الثوري و الدفاع عن وطنيتهم أمام المناطق الأخرى , عندما يصبح الثائر في موقع عليه أن يدافع عن بلدته و مدينته ليشرح بأنها ترقى لمستوى الثورة في مناطق أخرى و كأنها تابع و ليس محرك في واقع الثورة.
عندما نصل لمكان يتجرّأ فيه أحدهم أن يقول ..... "شو عم تعمل حماة ؟" و " والله هاليومين عم يبيضوها و متحسنين بدير الزور" و " انتو ما عملتو متلنا و ما شفتو يلي شفناه". و " إي بيطلعلنا نشوف حالنا ما نحنا عملنا كذا و كذا لإلكن"
عندما يتجرّأ أحدهم على أن يأخذ مكاناً يخوله بأن يحكم على الثورات أن يحكم على المناطق  و طبيعة ثورتها و أن يقارن بين معاناة منطقة و أخرى, شخص و أخر, و حتّى أهمية مظاهرة أمام الأخرى, عندها أتراجع و أقول لهم لكم ثورتكم و لي ثورتي.
ليست المعاناة سباقاً يفوز به من عانى أكثر, و لا يمكنك أن تقارن بين مأساة مدينة و أخرى فالحزن و الموت و الغضب لا يقاس بميزان الحرارة. بالإضافة إلى أنه لا يمكنك أن تقدم شيئاً للوطن ثم تعود و تطالب بمديح و ألقاب و صلاحيات للحكم على الأخرين, أنت قدمت تضحياتك لذلك للوطن لأنك تحب أرضك  طواعية و لم يجبرك أحد على ذلك. لا تحمّل أبناء وطنك عبئاً أكثر مما يتحملونه. أنت مررت و قدمت الكثير من التضحيات و لكن هل تعلم ما قدمه أخيك؟ هل تعلم إن كان يتعذب و يعيش الألم أو لا ؟
عدا عن جهلك بتضحيات غيرك فإنك تجهل اختلاف ظروف المناطق الثائرة و خصوصية كل محافظة. حلب ليست حمص و درعا ليست دير الزور. و المناطق المتعددة الطوائف ليست كالمناطق المتجانسة الإثنيات. لقد نسفت كل هذا يا عزيزي من محاكمتك و تشبثت بالمنطق العشائري الغريزي الذي نحاول في هذه الثورة أن نلغيه, أردت أن تقوم على التشبيح و ها أنت تشبّح بطريقة أخرى.
إن أردت أن تقدم للوطن أهلا و سهلاُ و لكن " لا تحمّلنا منّية" أو " ما تربّحنا جميلة" ....... كل المناطق تقدم و كل المناطق تحارب من أجل سورية الثورة و سورية الكرامة.
ثورتنا قامت حتّى نفتخر بأننا سوريون بالدرجة الأولى و لكن ها هم يتقوقعون في نطاق محافظات و يعرفون أنفسهم على أنهم " حمصية, درعاوية, ديرية و شوام" ..... بئس المنطق الذي أوصلنا إلى هنا.
أردنا أن نقضي على الطائفية الدينية فلاحت في الأفق طائفية جديدة, طائفية عشائرية مناطقية مقرفة..... طائفية جديدة تمسك بيد القديمة لتأخذنا نحو سيناريو لبناني يتكلّم عن ( الشرقيّة و الغربيّة ...... و المسيحية و الإسلام )

 

Friday, June 22, 2012

يمّا ولا تبكين عليّ

 

كم مرّة جلست مع والدتك حول كأس من الشاي القهوة أو المتة لتقول لك: " اذا رجعتي يوم و لقيتينا مايتين, لا تزعلي يا بنتي!"
كم مرّة جلست مع والدتك لتخبرك عن ودائع منزلية و ارقام سرية لتقول لك" اذا رجعتي يوم و لقيتينا مايتين, طلعي هالأغراض يا بنتي!"
يومها لم أدر ما أقول, لم أعلم ما التعبير المناسب الواجب رسمه على وجهي, لا أذكر حتّى ما قلت لوالدتي, لا أذكر حتّى إن ضحكت في وجهها و قلت لها " ههههه صايرة ظريفة هالإيام ماما, مين عم يعلمك التنكيت ؟!" أم أنني عبست و قلت لها " ممكن بلا تشاؤم و بلاه هاد الحكي !!!" أم أنني صمت.
 صدقاً لا أدري ما تفوهت به, ولكنّي أذكر الهلع الذي أحاط بي من لحظتها, هلع من أن أفقد أحداً أعرفه, هلعاً من أن أخسر عائلتي, والدتي تحديداً. فالفكرة التي حصنت نفسي ضدها طوال عام و نيف ذهبت مع الرياح في جملتين. أعلم أنني في زمن ثورة فيها ما يفوق ال16000 شهيد اعتبر محظوظة (أو غير محظوظة فالبعض يعتبر الشهادة هي الحظ )  بأنّ أحدا من معارفي لم يستشهد. أعلم بأن أقربائي هم "ليسوا بأغلى من بقية أبناء هذا الوطن" كما قالت لي والدتي, ولكنني لا أستطيع أن أمنع نفسي من الفزع, الخوف و الترقب.
كم مرّة شعرت بأنك مهدد باليتم, مهدد باليأس و مهدد بالوحدة. تتابع نشرات الأخبار كمسافر في الصحراء يركض وراء سراب.
وكم مرّة اضطررت للبكاء ليلاً على صورة رأيتها في أحد النشرات الالكترونية. رقدت عيناك وغفت بعد أن تعبت الدموع  من بكاءك فقررت أن تتركك للحزن وحيداً في أحلامك.
كم مرّة نظرت إلى تاريخ حافل من الذكريات و بدأت ترسم في مخيلتك كيف سيكون دمارها القريب, مع غبار أي قذيفة ستتناثر صور طفولتك و أشلاء أحباءك و ماذا ستشعر حينها..... هل سستطيع أن تزغرد في موكب الشهادة أم أن حنجرتك ستخونك كما الصبر !!!
كم مرّة تمنّيت لو أنك بلا قلب,
لو أنك تستطيع ترك ذكرى أصدقاءك في يد ملاك الموت ليأخذهم و يأخذ ألمك و قلقك معه, تعطيه جثّة مع حقيبة ممولوءة بالماضي, الضحكات, الأماكن و كل الذكريات. و تبقي النسيان لديك, تغمره ليلاً كطفل صغير لعلك تستطيع النوم.
في كل مرّة أفكر بكل تلك الفوضى أعلاه, أفكر بكل سوريّ. هو يشعر كما أشعر أنا, ولكنه يذهلني بصبره, بأهازيجه التي ترقص فوق الألام, بزغاريد الأمهات في عرس الشهادة, بابتسامة المحبين في مواكب التشييع, بنظرات الأيتام الصامدة أمام التوابيت. يذهلني بمحبته التي تفوح أملاً بوطن.
 
أمي...... دعكِ من كل ما كتبته سابقاً فهو واحد من أفكاري الغير المترابطة التي قد تعوّدتي عليها. لا أدري يا أمي, قد أكون أنا من يجب عليك أن تزغردي في موكبي, لذلك ............. يمّا لا تبكين عليّ! 

Friday, June 1, 2012

إلى ثورتي ..... في يوم التدوين من أجل سورية.




انظر في وجهي في المرأة و أطيل التأمل , أنظر في وجوه رفاقي, الابتسامة, الدمعة, المحبة. و أتساءل : ترى هل كنّا سنلتقي يوماً. هل كنّا سنجتمع في تلك العائلة الكبيرة, المتنوعة, لا دين لها و لا طائفة سوى الوطن؟ هل كنت سأرى تلك الابتسامات العريضة امام شاشة تعرض مظاهرة في جامعة حلب, الضحكات التي توالي أحد الخطابات حلقات الاتجاه لمعاكس ؟ هل كنت سأشهد تلك المشاحنات الساخنة الطريفة و النكات اللاذعة بين يمينيّ و يساريّ من أصدقائي يحاولون بناء المدينة السورية الفاضلة في سهرة من سهراتنا المطوّلة؟ أشعر بأنني في كل يوم أولد من جديد, في كلّ خبر ينقله أهلي يرفرف قلبي و مع كلّ محلّ يقفل يقفل معه باب من أبواب اليأس. ثورتي هي أملي و وطني هو طائفتي.
ثورتي هذه أطلقت ملايين المبدعين و أعادت جيلاً كان يعيش الإحباط إلى ساحات النور,جيل من الإبداع المكبوت لثلاثين سنة تفجّر نهراً  يتدفّق دون توقّف. جيل  من سوريي الكرامة, سوريي الإخاء, سوريي العقل و المنطق الذي أُجبرنا على تعطيله و استبداله بكتب تدّعي " القومية".
 لا شيء تغير سوى أن أملاً ظهر في الأفق, سوى أن محبّة لفّت قلوباً ملأتها الكراهية يوماً فطهّرتها و شفتها من ألامها. لا شيء يوجع كأن تكره نفسك, ان تكره كل من حولك, و أن تعيش في قوقعة تقمع مشاعرك و تدخلها في دهاليز لتضيع علّها لا تعود إليك. ثورة بلدي, مسحت بالمحبّة كل الكراهية , أحببت نفسي, أحببت أرضي و أحببت من يوماً ظننت أنهم أعدائي, صعقت بهم في ساحات الحرية يهتفون لكرامتي.
ثورتي كانت انتفاضة على المفاهيم المغلوطة, ثورة على المسلّمات و الأبديات, كل شيء ممكن في بلد الحريّة و من يوماً كان يدعى بالريفيّ الجاهل المتخلّف, أثبت بأنه راية تحمل كل شرف, كل نبلٍ و كل حضارة. و من كان يوصف بالوطنية تهرأت أقنعته و خرجت الجقيقة عارية تتحدث عن عمالته مع كل عدوً ضد الوطن.
ثورتي مدرسة, عندما انتفضت علمت بأنني لا أفقه شيئاً و أن كل ما علمته كان خيالات و وهم. لم أكن أعلم كيف أحب, لم أكن أعلم كيف ان التفاني لفكرة و قضيّة نبيلة هو سعادة بحد ذاته. لم أكن أعلم أن في بلدي شعباً يهزّ الأرض بإصراره, و لم أعلم أن أطفال تلك القرى المتناثرة في كل شبر قد نافسوا صلاح الدين فانحنى لهم.
  دخلت المدرسة مع كل السوريين لنتعلم  بين أيدي شهداء من كل المدن السورية بأن الوطن قداسة و أن اسمه صلاة و محبته عبادة.
تحية إلى كل بلدي و أهله.   

Wednesday, May 30, 2012

إلى شهيد الطائفة السينيمائية ...... و كل باسل في بلدي.




أجلس في مكتبة أعبث بأقلام رصاص و حبر على ورق. أقرأ الخبر, أسمعه ثم أعيد قراءته. أشاهد صورتك تبتسم بخجل و ثقة. أقرأ ما كتبه العشرات عنك و ما تناقلته الألسن من حكاياتك, صورة هنا , عبارة هنا و دمعة............ دمعة تذرفها عيوني على صديق في الوطن, لم ألتق به يوماً و لكنني أحسسته قريباً كنفسي, رأيت تلك النظرة في  زمن أخر, في مكان أخر, أحببتها في وطن أخر.
أبكي و تبتلّ أوراقي بدموع أردتها يوماً أن تذرف في زفّة عرسٍ على أهازيج وطن, ولكن القدر أبى!
أبكيك باسل أم أبكي وطنا ينبت الإنسان فيه ليحصد بمعول جزّار, وطناً ترمى السنابل الذهبية إلى ألسنة النار و يحتفظ بالقشّ لمؤونة الشتاء. أبكي كل سنبلة عرفتها و لم أعرفها. ففي كل زاوية موسم جديد لنثر بذور ستنبت صداقاتٍ لتملأ سماء البلد بصور عن مراهقةٍ, شباب و محبة. ستملأ الأرض هدايا صباحات سبت و نزهات على دراجة نارية و كاميرا تصوير.
اللائحة أمامي تقول لي " الرجاء التزام الهدوء" ولكن كيف لقلبي أن يكف عن الصراخ و كيف لا يسمع من حولي نحيب قلبي و صرخاته و هو يسلخ عن جسدي ألام و دموعاً و حرقة.
إلى متى سيطعن قلبي بخناجر الكراهية و القتل ؟؟ و هل سيشفى جرحي الدائم ؟؟؟ باسل .... تحدّث إليّ قليلاً ! باسل .... ارسل لي فيلما قصيرا من جنّة عن أطفال الحولة و هم يرقصون, عن حمزة وهو يبتسم من جديد عن القاشوش الذي ملأ لكم الأرض أناشيد. باسل تكلّم حدّثني, أرسل لي ملاكاً سوريّاً لينثر الأمان في قلبي علّه يعيد الأمل إلى أحلامي علّه يلملم أوجاعي.
باسل ..... قيل لي أنهم قتلوك و لكنني لا أريد أن أصدق. مازالت درّاجتك تطوف حمص مازالت كميرتك تباغتهم وتضجّ مضاجعهم.
باسل الذي لم أعرفك , قرأت عنك مقالات و رأيت فيلماً صورته و بضع صور.
وداعاً .....أرسل محبتي لأطفال أبرياء و رجال شجعان و نساء يغمرهنّ الإباء, سنلتقي يوماً و نصوّر فيلماً عن بلد يضحك أمام العدسة يتحدث عن تاريخ و مجد و حريّة كتبها بدمه.