Tuesday, June 26, 2012

المناطقية ...... طائفية من نوع أخر!!!



في البداية كنّا نأخذ تلك العبارات .... أنا حمصي, أنا حوراني , أنا شامي و ما إلى ذلك بنوع من الفخر و المحبة, فبالنهاية عندما تحب حمص فأنت تحب جزءا من هذا الوطن, عندما تفتخر بانتماءك لدير الزور فأنت تأكد على أنك جزء من سوريا الثورة أليس كذلك. و لكن عنما ينتقل التنافس بين هذه المناطق من مجرد روح فكاهية مرنة إلى مستوى التشبيح المناطقي فهنا تقع الكارثة.
هنالك الكثير من العتب القادم من سكان مناطق عانت الكثير من أجهزة النظام مثل حمص قد تحول من مجرد تحفيز للمناطق الأخرى على القيام إلى نوع من التخوين و تقليل من شأن و أهمية الحراك الثوري القائم فيها. و هنا تقوم المشكلة عندما يصبح الثوار من ريف دمشق (مثلاً) عليهم تبرير تحركهم الثوري و الدفاع عن وطنيتهم أمام المناطق الأخرى , عندما يصبح الثائر في موقع عليه أن يدافع عن بلدته و مدينته ليشرح بأنها ترقى لمستوى الثورة في مناطق أخرى و كأنها تابع و ليس محرك في واقع الثورة.
عندما نصل لمكان يتجرّأ فيه أحدهم أن يقول ..... "شو عم تعمل حماة ؟" و " والله هاليومين عم يبيضوها و متحسنين بدير الزور" و " انتو ما عملتو متلنا و ما شفتو يلي شفناه". و " إي بيطلعلنا نشوف حالنا ما نحنا عملنا كذا و كذا لإلكن"
عندما يتجرّأ أحدهم على أن يأخذ مكاناً يخوله بأن يحكم على الثورات أن يحكم على المناطق  و طبيعة ثورتها و أن يقارن بين معاناة منطقة و أخرى, شخص و أخر, و حتّى أهمية مظاهرة أمام الأخرى, عندها أتراجع و أقول لهم لكم ثورتكم و لي ثورتي.
ليست المعاناة سباقاً يفوز به من عانى أكثر, و لا يمكنك أن تقارن بين مأساة مدينة و أخرى فالحزن و الموت و الغضب لا يقاس بميزان الحرارة. بالإضافة إلى أنه لا يمكنك أن تقدم شيئاً للوطن ثم تعود و تطالب بمديح و ألقاب و صلاحيات للحكم على الأخرين, أنت قدمت تضحياتك لذلك للوطن لأنك تحب أرضك  طواعية و لم يجبرك أحد على ذلك. لا تحمّل أبناء وطنك عبئاً أكثر مما يتحملونه. أنت مررت و قدمت الكثير من التضحيات و لكن هل تعلم ما قدمه أخيك؟ هل تعلم إن كان يتعذب و يعيش الألم أو لا ؟
عدا عن جهلك بتضحيات غيرك فإنك تجهل اختلاف ظروف المناطق الثائرة و خصوصية كل محافظة. حلب ليست حمص و درعا ليست دير الزور. و المناطق المتعددة الطوائف ليست كالمناطق المتجانسة الإثنيات. لقد نسفت كل هذا يا عزيزي من محاكمتك و تشبثت بالمنطق العشائري الغريزي الذي نحاول في هذه الثورة أن نلغيه, أردت أن تقوم على التشبيح و ها أنت تشبّح بطريقة أخرى.
إن أردت أن تقدم للوطن أهلا و سهلاُ و لكن " لا تحمّلنا منّية" أو " ما تربّحنا جميلة" ....... كل المناطق تقدم و كل المناطق تحارب من أجل سورية الثورة و سورية الكرامة.
ثورتنا قامت حتّى نفتخر بأننا سوريون بالدرجة الأولى و لكن ها هم يتقوقعون في نطاق محافظات و يعرفون أنفسهم على أنهم " حمصية, درعاوية, ديرية و شوام" ..... بئس المنطق الذي أوصلنا إلى هنا.
أردنا أن نقضي على الطائفية الدينية فلاحت في الأفق طائفية جديدة, طائفية عشائرية مناطقية مقرفة..... طائفية جديدة تمسك بيد القديمة لتأخذنا نحو سيناريو لبناني يتكلّم عن ( الشرقيّة و الغربيّة ...... و المسيحية و الإسلام )

 

Friday, June 22, 2012

يمّا ولا تبكين عليّ

 

كم مرّة جلست مع والدتك حول كأس من الشاي القهوة أو المتة لتقول لك: " اذا رجعتي يوم و لقيتينا مايتين, لا تزعلي يا بنتي!"
كم مرّة جلست مع والدتك لتخبرك عن ودائع منزلية و ارقام سرية لتقول لك" اذا رجعتي يوم و لقيتينا مايتين, طلعي هالأغراض يا بنتي!"
يومها لم أدر ما أقول, لم أعلم ما التعبير المناسب الواجب رسمه على وجهي, لا أذكر حتّى ما قلت لوالدتي, لا أذكر حتّى إن ضحكت في وجهها و قلت لها " ههههه صايرة ظريفة هالإيام ماما, مين عم يعلمك التنكيت ؟!" أم أنني عبست و قلت لها " ممكن بلا تشاؤم و بلاه هاد الحكي !!!" أم أنني صمت.
 صدقاً لا أدري ما تفوهت به, ولكنّي أذكر الهلع الذي أحاط بي من لحظتها, هلع من أن أفقد أحداً أعرفه, هلعاً من أن أخسر عائلتي, والدتي تحديداً. فالفكرة التي حصنت نفسي ضدها طوال عام و نيف ذهبت مع الرياح في جملتين. أعلم أنني في زمن ثورة فيها ما يفوق ال16000 شهيد اعتبر محظوظة (أو غير محظوظة فالبعض يعتبر الشهادة هي الحظ )  بأنّ أحدا من معارفي لم يستشهد. أعلم بأن أقربائي هم "ليسوا بأغلى من بقية أبناء هذا الوطن" كما قالت لي والدتي, ولكنني لا أستطيع أن أمنع نفسي من الفزع, الخوف و الترقب.
كم مرّة شعرت بأنك مهدد باليتم, مهدد باليأس و مهدد بالوحدة. تتابع نشرات الأخبار كمسافر في الصحراء يركض وراء سراب.
وكم مرّة اضطررت للبكاء ليلاً على صورة رأيتها في أحد النشرات الالكترونية. رقدت عيناك وغفت بعد أن تعبت الدموع  من بكاءك فقررت أن تتركك للحزن وحيداً في أحلامك.
كم مرّة نظرت إلى تاريخ حافل من الذكريات و بدأت ترسم في مخيلتك كيف سيكون دمارها القريب, مع غبار أي قذيفة ستتناثر صور طفولتك و أشلاء أحباءك و ماذا ستشعر حينها..... هل سستطيع أن تزغرد في موكب الشهادة أم أن حنجرتك ستخونك كما الصبر !!!
كم مرّة تمنّيت لو أنك بلا قلب,
لو أنك تستطيع ترك ذكرى أصدقاءك في يد ملاك الموت ليأخذهم و يأخذ ألمك و قلقك معه, تعطيه جثّة مع حقيبة ممولوءة بالماضي, الضحكات, الأماكن و كل الذكريات. و تبقي النسيان لديك, تغمره ليلاً كطفل صغير لعلك تستطيع النوم.
في كل مرّة أفكر بكل تلك الفوضى أعلاه, أفكر بكل سوريّ. هو يشعر كما أشعر أنا, ولكنه يذهلني بصبره, بأهازيجه التي ترقص فوق الألام, بزغاريد الأمهات في عرس الشهادة, بابتسامة المحبين في مواكب التشييع, بنظرات الأيتام الصامدة أمام التوابيت. يذهلني بمحبته التي تفوح أملاً بوطن.
 
أمي...... دعكِ من كل ما كتبته سابقاً فهو واحد من أفكاري الغير المترابطة التي قد تعوّدتي عليها. لا أدري يا أمي, قد أكون أنا من يجب عليك أن تزغردي في موكبي, لذلك ............. يمّا لا تبكين عليّ! 

Friday, June 1, 2012

إلى ثورتي ..... في يوم التدوين من أجل سورية.




انظر في وجهي في المرأة و أطيل التأمل , أنظر في وجوه رفاقي, الابتسامة, الدمعة, المحبة. و أتساءل : ترى هل كنّا سنلتقي يوماً. هل كنّا سنجتمع في تلك العائلة الكبيرة, المتنوعة, لا دين لها و لا طائفة سوى الوطن؟ هل كنت سأرى تلك الابتسامات العريضة امام شاشة تعرض مظاهرة في جامعة حلب, الضحكات التي توالي أحد الخطابات حلقات الاتجاه لمعاكس ؟ هل كنت سأشهد تلك المشاحنات الساخنة الطريفة و النكات اللاذعة بين يمينيّ و يساريّ من أصدقائي يحاولون بناء المدينة السورية الفاضلة في سهرة من سهراتنا المطوّلة؟ أشعر بأنني في كل يوم أولد من جديد, في كلّ خبر ينقله أهلي يرفرف قلبي و مع كلّ محلّ يقفل يقفل معه باب من أبواب اليأس. ثورتي هي أملي و وطني هو طائفتي.
ثورتي هذه أطلقت ملايين المبدعين و أعادت جيلاً كان يعيش الإحباط إلى ساحات النور,جيل من الإبداع المكبوت لثلاثين سنة تفجّر نهراً  يتدفّق دون توقّف. جيل  من سوريي الكرامة, سوريي الإخاء, سوريي العقل و المنطق الذي أُجبرنا على تعطيله و استبداله بكتب تدّعي " القومية".
 لا شيء تغير سوى أن أملاً ظهر في الأفق, سوى أن محبّة لفّت قلوباً ملأتها الكراهية يوماً فطهّرتها و شفتها من ألامها. لا شيء يوجع كأن تكره نفسك, ان تكره كل من حولك, و أن تعيش في قوقعة تقمع مشاعرك و تدخلها في دهاليز لتضيع علّها لا تعود إليك. ثورة بلدي, مسحت بالمحبّة كل الكراهية , أحببت نفسي, أحببت أرضي و أحببت من يوماً ظننت أنهم أعدائي, صعقت بهم في ساحات الحرية يهتفون لكرامتي.
ثورتي كانت انتفاضة على المفاهيم المغلوطة, ثورة على المسلّمات و الأبديات, كل شيء ممكن في بلد الحريّة و من يوماً كان يدعى بالريفيّ الجاهل المتخلّف, أثبت بأنه راية تحمل كل شرف, كل نبلٍ و كل حضارة. و من كان يوصف بالوطنية تهرأت أقنعته و خرجت الجقيقة عارية تتحدث عن عمالته مع كل عدوً ضد الوطن.
ثورتي مدرسة, عندما انتفضت علمت بأنني لا أفقه شيئاً و أن كل ما علمته كان خيالات و وهم. لم أكن أعلم كيف أحب, لم أكن أعلم كيف ان التفاني لفكرة و قضيّة نبيلة هو سعادة بحد ذاته. لم أكن أعلم أن في بلدي شعباً يهزّ الأرض بإصراره, و لم أعلم أن أطفال تلك القرى المتناثرة في كل شبر قد نافسوا صلاح الدين فانحنى لهم.
  دخلت المدرسة مع كل السوريين لنتعلم  بين أيدي شهداء من كل المدن السورية بأن الوطن قداسة و أن اسمه صلاة و محبته عبادة.
تحية إلى كل بلدي و أهله.